المادة    
ونريد هنا أن نستعرض أهميته وفائدته، وهل يكون الاستغفار حالة واحدة؟ وهل له شروط أم ليس له شروط؟
فبعض العلماء يقولون -كمثل ما تقدم في التوبة-: إن الاستغفار كالتوبة لا بد له من شروط؛ فإن لم تتحقق الشروط فلا استغفار لصاحبه. أي: أن من يستغفر الله تعالى بلسانه مجرداً عن توبة القلب وإنابته وكف الجوارح عن المعاصي فاستغفاره لا قيمة له مطلقاً، بل فاعله كالمستهزئ بربه. وفصل في ذلك بعض العلماء، وسنأخذ من كلام ابن رجب شيئاً من هذا، وقد سبق في مبحث التوبة أن ذكرنا أن العبد كلما أذنب يجب عليه أن يتوب، وأن تكرار الذنب مع معاودة التوبة لا يمنع من وقوعها وحصولها مرة بعد مرة، واستشهدنا على ذلك بحديث يدل على أن العبد عرضة للذنوب، وأنه مهما أذنب فاستغفر، فإن الله يغفر له ولو تكرر ذنبه، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( إن عبداً أصاب ذنباً فقال: أي رب! أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال ربه عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له ... ) كرر ذلك ثلاثاً، وفي الثالثة قال تعالى: ( غفرت لعبدي، فليفعل ما شاء )، أي: ما دام هذا حاله، يعني: فليذنب ما شاء ما دام أنه يستغفر ويتوب وينيب، فإنني في كل مرة سأغفر له.
وطبيعة النفس أن تقع في الذنوب، فليس من شرط التوبة أو الاستغفار العصمة بعده، ما دام المرء يصدق مع الله في توبته واستغفاره وإنابته، فإن الله يغفر له، فإن تكرر الذنب وغلبه هواه وشيطانه فليصدق الله ثانية وثالثة ورابعة كلما تكرر منه الذنب، فالله يغفر له ما دام هذا شأنه وحاله.
وعليه فقد يقال: إن المقصود بهذا الحديث المعاودة إلى الذنب وليس الإصرار؛ إذ يلحظ في هذا الحديث -وهو من أعظم أحاديث الرجاء في باب الاستغفار- أنه لم يذكر فيه أنه مصر، وإنما ذُكِر أنه معاود، وفرق بين المعاود والمصر، ولعل هذا مما يوفق بين الأقوال، والأقوال متقاربة فليست كالخلافات الفقهية المعروفة، وإنما هي نظرات تربوية، فبعض السلف ينظر إلى زاوية معينة يريد أن يربي تلاميذه عليها، وهي أن يكونوا صادقين مع الله، فلا يقول أحدهم: أستغفر الله، ثم يرجع إلى الذنب، ولهذا قال بعضهم: لا تقل: أستغفر الله وأتوب إليه، بل قل: أستغفر الله فقط؛ لأنك إذا قلت: (وأتوب إليه) تكون قد ادعيت دعوى قد لا تحققها، فاقتصر على قول: (أستغفر الله)، وهذه نظرات تربوية أكثر من كونها خلافات علمية بالمعنى الدقيق.
إذاً: نقول: المصر على الذنب ليس هو المقصود بهذا الرجاء العظيم، إنما هو المعاود للذنب، فقد تحصل له الفائدة -بإذن الله- والثمرة من الاستغفار.